مقالات

حماية البيئة بين الضّرورة والنّفاق العالميّ

حماية البيئة بين الضّرورة والنّفاق العالميّ

بقلم سعاد عبد القادر القصير

 

من الخيال العلميّ إلى الواقع العمليّ، أصبحت موضوعات الطّاقة البديلة مادّة دسمة على طاولات الحوار. Open buffet من الموضوعات المختلفة، بعضها يشكّل طبقًا رئيسيًّا، وبعضها مازة لذيذة لتخفيف ثقل الوجبات المصيريّة، وبعضها أطباق حارّة يستسيغها البعض ويهرب منها البعض الآخر. أمّا الموضوعات البيئيّة فهي كالطّبق المشترك، كلٌّ يريد حصّته منه قبل أن يلتهمه الآخرون.

فما هي الرّؤية البيئيّة اليوم؟ ولماذا يهتم العالم اليوم بالطّاقة البديلة؟

لم يكن العالم يومًا ثابتًا، بل إنّ التّطوّر عبر العصور جعل لكلّ حضارة أهميّتها التّاريخيّة. حتى وصلنا اليوم إلى العصر التّكنولوجيّ الذي اعتمد بشكل أساسيّ على مصادر الطّاقة من بترول وغاز وغيرها. ليكتشف العالم الأثر الخطير لهذه المصادر على البيئة، من تلوّث جوّي وبحريّ وبريّ، وفتك صحّة الإنسان وازدياد نسبة الأمراض الخطرة، كالسّرطان، والأمراض الصّدريّة، والدّم، إلى ما هنالك من مشكلات صحيّة بدأت تتفاقم على مستوى المعمورة. وعادة، وبما أنّ الإنسان كائن مفكّر، فحين يواجه مشكلة معيّنة يبدأ البحث عن الحلّ، البديل المنقذ.

فلنتخيّل مصادر الطّاقة كفريق كرة قدم يلعب على أرض الملعب، حين يفشل الفريق في تسجيل الأهداف، وتبدأ الإصابات، عادة ما يلجأ المدرّب إلى لاعبي الاحتياط، وهذا بالضّبط ما يحصل اليوم، فكيف ذلك؟

ومع إدراك المشكلات البيئيّة التي أصابت الكرة الأرضيّة، بالإضافة إلى أنّ المصادر المعتمدة للطّاقة قد تنضب في وقت ليس ببعيد، بدأ البحث عن الطّاقة البديلة، وبدأ الاتّجاه نحو الطّاقة الشّمسيّة، والهوائيّة، والمائيّة. لتكون اليابان الرّائد الأوّل في استغلال المحيط وأمواجه لتوفير الطّاقة، مع العلم أنّها في الأساس لا تمتلك البترول والغاز، فكان دافعها لاستغلال العناصر الطّبيعيّة، وربّما جاء اصرارها في ريادة هذا المجال بعد ما تعرّضت له من قنابل ذرّية في ناكازاكي وهروشيما، وبالتّالي حمت بيئتها من التّلوّث الذي عاشته بمشكلاته الكبرى. ومن يستطيع الوقوف في وجه العالم الأوّل؟ فهم روّاد التّكنولوجيا والتّطوّر.

ولكن دعونا نوسّع دائرة الرّؤية البيئيّة العالميّة قليلًا، فهناك مثل شعبيّ يقول: “فلان ما بشوف أبعد من منخارو”، ولا نريد أن نكون هذا الكائن محدود النّظر. لا شكّ أنّنا نعاني من أثر البترول، خصوصًا نحن في لبنان مثلًا نعاني من انقطاع التّيار الكهربائيّ بشكل مستمّر، فكان الحلّ إمّا موتورات المازوت، وإمّا الطّاقة الشّمسيّة. ولا تكمن المشكلة هنا تمامًا، ولكن أقول لنوسّع دائرة المشكلة على مستوى العالم.

أظنّ أنّ الجميع عايش الحرب القائمة اليوم على فلسطين التي كان للبنان نصيبه منها، حيث غطّت الغازات والرّوائح المناطق المستهدفة، أليس هناك شيء من الشّيزوفرينا البيئيّة في الممارسات الدّوليّة؟ أين مؤتمرات الحفاظ على البيئة، وصحّة الإنسان، أمام القنابل السّامّة، والصّواريخ المحرّمة دوليًّا؟ ولن أتطرّق هنا لعمليّات الإبادة والممارسات اللّاإنسانيّة، ولكنّي سأبقى في إطار الحفاظ على البيئة، الأرض الخضراء والمياه العذبة وزقزقة العصافير.

هذه الازدواجيّة في معايير الصّحة العالميّة ما هو إلّا استغفال لشعوب العالم الثّالث، بين الصّورة المثاليّة في استشراف المستقبل لحياة أكثر رفاهيّة، وبين الواقع في طمس حقوق الإنسان ودفنها تحت قبّة العقيدة من جهة، والمصالح الرّأسماليّة من جهة ثانية. وكأنّ الحلال والحرام تمامًا كمن يفتي وفق ما تسوّل له نفسه (حلال له وحرام لغيره).

المشكلة أنّنا رغم علمنا بأهميّة الطّاقة البديلة، إلّا أنّ ما نعيشه يجعل مسيرنا في هذا الاتّجاه كمن يُشعل شمعة وسط النّار. إنّ التّخبّط الذي نعيشه اليوم بين ما نسعى إليه في سبيل الحفاظ على بيئة مناسبة لحماية الصّحة أولًا والحدّ من الأمراض المنتشرة، وبين الواقع الحربيّ الذي يحاوطنا، يجعل الحلم بغد نظيف شبه مستحيل.

وما هذا التشّرذم الفكريّ بين الحلم والواقع، إلّا لأنّهم ينجحون في بيعنا الوهم، خصوصًا أنّ مصادر الطّاقة البديلة يشكّل حماية اقتصاديّة في التّفكير الرّأسماليّ، نستخدم البديل ونوفّر المال العالميّ لنستخدمه لاحقًا في دمار العالم وإعادة تشكيله، تمامًا مثل دعاية (Yes تلاتة بواحد)، نوفّر المال، نستملك الطّاقات المختلفة، ونسيطر على القوى المختلفة.

وهنا تكمن المفارقة، فالأجيال بدأت تتفتّح بصيرتها، ولا نعني بذلك نسف الرّؤية المستقبليّة في ما يخصّ الطّاقة البديلة، مطلقًا، فهذا هو الهدف في سبيل الحفاظ على الإنسان واستمراريّته، وإنّما هذا الوعي يجب أن يكون في إطلاق الصّرخة حول استخدام المحرّمات الدّوليّة ضدّ المجتمعات المستضعفة، فمن لا يموت بالرّصاص يموت من السّموم والأمراض المفتعلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى