الكتابة رسالة…

الكتابة رسالة…
الشيخ محمد أسعد قانصو
الكتابة ليست بكائيّة مستمرّة على أشلاء وطن، ولا معزوفة للحزن, ولا خطابات استنهاض لتوليد قسريّ للوعي…
الكتابة صكّ براءة, شهادة اعتراض, نأي بالنّفس, وبالفكر, وبالعقل عن منطق القولبة والتعليب والهضم والضمّ.
الكتابة اعتراف بالذات, واحترام لها, وتحرير للقلم, وإعلان نهائيّ لحاكميّة الضمير على الموقف..
الكتابة تمرّد على الظلم, فعل إيمان بمبدأ, وانتماء لقضيّة, هي خروج مارد من قمقمه, وشعب عن صمته, وحلم عن حدود ليله…
الكتابة أنسنة للشعور, ترّفع عن الجماديّة والتصخّر, اصطفاف صادق مع المعاناة, انتخاب حرّ للثقافة والإبداع, هي تجاوز لكلّ الحدود والصدود التي تسجن الروح في جبّ الأنا, وانعتاق جريء في فضاءات الجمال والرفعة…
الكتابة هويّة, مرآة ومنبر, إفصاح بيانيّ, واشتباك بديعيّ في غابات الحروف, وانسياب المعاني من جداول المقاصد الكامنة في أعماق الوجدان…
الكتابة حريّة, لا تقبل المقايضة, ولا تُشترى أو تباع في سوق المنافع, فهي حيّة بحريّتها, وحين تمتهن على أرصفة المكاسب تختنق وتموت, وتصبح خواء من أيّ قيمة أو هدف…
الكتابة رسالة وليست وظيفة, والكاتب ليس بموظف أو أجير , هو رسول يحمل بريد قلبه ووجدانه على قصاصات بيضاء لا تقبل ضبابية الألوان والأرقام, ولا تخضع لقانون ابتداء الصلاحيّة وانتهائها…
في سلّمات الجرائد وبطون الكتب كثير مما يسمونه كتابة, وبما أنَّ المجاز اللغويّ مطاطيّ بالطبع, فهو يحتمل الكثير من المدخلات تحت مسمّاه, ولكنّ الجوهر يبقى أصيلاً والزبد يذهب جفاء…
الكتابة التي لا تستفزّ الدّمع, ولا تنتزع البسمات سراب مطلق, والكتابة التي تنحاز للظالم ضدّ المظلوم حبر مسموم…
أجمل الكتابات تلك التي سُطّرت بدماء كتّابها, تلك التي تحدّت كلّ الأسوار, واقتحمت كلّ الحواجز لتقدّ مضاجع الفراعنة, لتخرج الشّمس من مخدعها, لتضيء القمر…
أجمل الكتابات تلك التي أضحت على شفاه الكادحين أناشيداً للخلاص, تلك التي تحوّلت معاول في الأكفّ السمراء, تلك التي وطّدت للعابرين جسور الوصول إلى الوطن…