القصّةالمجلة

قنَّاص – أ. غادة عبدو إبراهيم

قنَّاص

أ. غادة عبدو إبراهيم

قنَاص

أسرار مرجانيَة كانت تبوح بها الأمواج كل عشيَة، ترسم الصّور في مخيَلة شاعر نورانيَ الإحساس، ماسيَ المشاعر. وتتوالد القصائد مخمليَة، فيها بريق العقيق والزّمرَد وفيروز الشطآن. ولا تكتمل سمفونيَة الحبور عند شاعرنا إلاَ بحضور جوقة النّورس العاشقة كلَ موجة مغناج.

جوقة النّورس تلك كانت تفتح أبواب قصور العيد في وجه الشاعر العملاق ،فتبدأ عنده رقصة الإبحار تصل الليل بالنّهار.

لدى طيور النّورس حسَ مرهف أسر إعجاب فارس الكلمة. شاعرنا أعجبته حكمتها ،أعجبته رقَتها، أو قل أدهشه ذوقها في مغازلة الزّبد النقيَ  كنقاء قلبه الطاهر. أدمن الشّاعر صداقتها فبات صديقاً لا يُنسى. لكن أمسية الودَ عكَر صفوها قنَاصٌ في صدره قلبٌ مشحون بشتَى ألوان الغدر إنه صيَاد النّورس لقد اصطحب ولده ليدرَبه على زهق أرواح طيور النّورس اقترب الصيَاد من السّرب كالسّارق فأصاب الطّيور هلعٌ  فطارت بلمح البصر ولاذت بالفرار إلا طائراً واحداً زعزعه الخوف فتثاقل فتمكَن  منه الصّيَاد وأصابه برصاصة قنص أردته مضرَجاً بدمائه فامتزج الأحمر بالزبد.

فصرخ الشّاعر كالرّعد : ماذا كسبت يا قاتل؟  هل تؤكل لحوم النورس؟

فأجاب الصيَاد بغباء وعلى وجهه ارتسمت أمارات الظفر:  أردت قتله لأمتَع ولدي برؤيته عن قرب، لأفرَح قلبه بلمسه.

وثارت ثورة الشّاعر فأمطره بكلمات قزَمته، جعلته غباراً أو قل ذرَات في كون.

وهرع الشّاعر نحو الطّائر الكسير فاحتضنه كما تحتضن الأمّ طفلها العليل. فهدأ روع النّورس وألقى رأسه الصّغير بين كفيَ حاضنه وبدأ يمرغَه مصدراً صوتا يروي حكاية ألم وغروب. وضاقت دائرة الدّنيا في عين شاعرنا الإنسان حين رحل طائره العطشان. قفل عائداً إلى صومعة  إلهامه مردَدا: كيف يمكننا أن نخمد ألسنة الشّر والهذيان؟!

كيف يمكننا أن نزرع في ذات كل بشري بذور الخير، بذور الإنسان…

خدعة

عاشت في كنفه عمراً ضجَ بالأفخاخ، ولفرط شفيف نبضها كانت كقطة تنعم بدفء جميرات أنهكها الوسن في حضن وجاق ملتهب يعاند برد عاصفة هوجاء تحطَم الأبواب والنوافذ وتقضَ هجعة المتعبين الحالمين  وتعبث بأجراس النّور القائلة في عبَ ياسمينة الأحلام الغضَة.

تشيخ السنون والزّوج العبثيَّ غارقٌ في عاصفة فوضى توغَل في ضلاله حتى خبت مصابيح الأمل وابتلعت  عتمة فوضاه العمياء غدَ عائلة افترستها خدعة.

قالت وقال

قالت له: ما زالت فيَ تلك الطفلة الشقيَة، وما زال فيك ذاك الطفل الشقيَ. يالعبثيَة الزمن!

قال لها: يغريني بهاء الشمس…

قالت له: أنصب لكَ ضفائري أرجوحة؟

شرَعت نافذتها للضّوء بعد عبث ليل طويل. أطلَ من النافذة المقابلة.

قال: حبيبتي فراشة ربيعيَة وبيتي زهرة لوز.

قالت له: قد تطرق باب نبضي لكنًك لن تستطيع اصطياد فكري.

أمنيات مبعثرة

في ذاك البيت العتيق احترقت أمنيات وشاخت تنهّدات أسودَ لها نبض الزّمان.

هناك في جنون حلكة سرداب الحرمان لفظت كريمة أنفاسها الأخيرة وتناثر رماد عمرها في أقبية الصمت الرهيب.

جيوب الغيب غزتها الثقوب…

جنى العمر مضغته همهمات برد قارس.

رحلت العجوز تاركةً على غرَة بابها الخشبيّ وصيَة رقص لها جنان فوزيَة ابنتها المدلله السّالبة نصيب أخواتها السّماوي. وبفي بعد الرّحيل صندوق فتحته الغانمة فإذا بها تجد كفنا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى