كلمة العدد الثالث – الدكتور أحمد محمود نزَّال

كلمة العدد الثالث
الدكتور أحمد محمود نزَّال
هذا هو العدد الثالث من مجلَّة اتحاد الكتَّاب اللبنانيين، نقدِّمه إلى القرَّاء، من الكتَّاب اللبنانيين والعرب، الذين يهتمون بالمطالعة وحبِّ المعرفة.
إذا كان ما يجري اليوم يُنذر بغياب دور المثقف أو انكفائه، في الحد الأدنى، عن أداء دوره الرسولي، فإن سبب هذا الانكفاء ليس لغياب الدور الإعلامي أو التوجيهي، بل لغياب المشروع الحضاري المتكامل، بعد أن ركنت الأغلبية إلى الاستهلاك المباشر لكل مظاهر الثقافة الغربية، التي تروِّج باحترافٍ لكل إنتاجها، الفكري والثقافي والسلوكي، وصولاً إلى الطعام واللباس وكل مظاهر الحياة.
ولهذا يمكن اعتبار فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فترةً ذهبيَّةً لأصحاب المشروع المواجه، لأنها واكبت عمليات التحرير في المنطقة، إذ كانت المشاريع النهضوية حاضرةً على المستويات السياسية العليا، وكانت مشاريعَ يمكن البناء عليها لإحداث النهضة المرتجاة، حتى انكفأت مع رحيل أصحابها، وتعاظم النفوذ الغربي، والسيطرة على مقدَّرات البلاد العربيَّة، وما رافقها من سيطرة على سياسة بعض الدول، وتراجع الحلمُ القوميُّ ليحلَّ محلَّه التقسيم والتفتيت الممنهج، والتباس مفهوم العروبة، ناهيك عن دعم غير محدودٍ من قوى الاستكبار لمشروع الاستعمار الجديد المتمثِّل بالكيان الصهيوني، وإعداد العدَّة اللازمة ليكون الأوحد في المنطقة، القادر على إدارة الموارد والثروات الطبيعية والمائية، وعلى الجميع أن يتكيَّف مع الواقع الجديد.
ويطيب لي أن أشير، في عجالةٍ، إلى حاجتنا، اليوم، إلى أن نتعالى فيه عن الإبداع الفردي، الذي يقوم به شخصٌ توافرت له الموهبة بالفطرة، إلى إبداعٍ جماعيٍّ يقوم به مجموعةٌ من المبدعين في إطار عملٍ جماعيٍّ تكامليٍّ من شأنه أن يغيِّر الوضع القائم إلى واقعٍ أفضل، وبلورة مشروع ثقافي مرتجى.
إن الإيمان الحقيقي بضرورة التغيير يملي واقعاً جديداً، على المثقف أن يتعالى فيه عن مصلحته الفرديَّة لصالح مصلحة الجماعة، وأن يقود ثورة التغيير من تحت، حتى يكون قادراً على المواجهة، وإلا فإنه سيُصاب بإحباطٍ جديدٍ، ينتهي به إلى انكفاءٍ آخرَ وشعورٍ بالإحباط والهزيمة.
الكتَّاب الأعزاء:
وإذ تغمرني الفرحة وأنا أقدِّم هذا العمل لكل كاتب، أستذكر وإياكم مواقف الأديب اللبناني الراحل الدكتور سهيل إدريس، كما نستذكر دوره في تأسيس اتحاد الكتَّاب اللبنانيين، مع مجموعة من الكتَّاب، علاوةً على إسهامه الكبير في صياغة مشروع ثقافي عربي، نحن في حاجةٍ له اليوم أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
ختاماً، نطمح أن تكون المجلَّة، بأبوابها وفروعها، الكنز الثقافي الذي يلهم الأقلام المبدعة في العطاء ويسهم في زرع المعرفة وخلق مجال للأفكار الحديثة في التعبير عن هواجس أجيالنا العربية والرسالة التي تسعى وتعمل للتقدُّم والازدهار والرقي.