
بَخُور الصَّوْم!
أ. موريس وديع النجَّار
أَذِنَ الصَّوْمُ، وبِالتَّقوَى أَتانا،
فَهَفا لِلَّهِ حُبّاً أَصغَرانا
نَصحَبُ الأَجراسَ في تَرجِيعِها،
وجَوَى الآذانِ يَشتَفُّ الأَذانا
رَمَضانُ، اليَومَ، في أَرجائِنا
مَطهَراً لِلرُّوحِ في الزُّهْدِ احتَوانا
إِيهِ يا شَهراً فَضِيلاً كُلَّما
هَلَّ تَحْتَمُّ إِلى الفَضْلِ قُرانا
ولَنا في المُدْنِ، في عُبَّادِها،
نِعَمُ اللهِ تَجَلَّت في قِرانا!
أَنا، في حَضرَةِ رَبِّي سائِلٌ،
كَيفَ، في لُبنانِنا، اليَومَ، نَرانا
زُمَراً قَزَّمَتِ اللهَ إِلى
صُوَرٍ لَيسَ بِها إِلَّا هَوانا
لَيسَ تَرضاها لَنا الأَجيال، إِذ
تَقرَأُ التَّارِيخَ، ذُلّاً وهَوانا
أَيُّها القَومُ هَلِ اللهُ الَّذي
أَبدَعَ الكَونَ، وبِالحُبِّ بَرانا
يَرتَضِي مِنَّا انقِساماً باطِلاً،
وصَغاراً في رُؤَانا ومُنانا؟!
لِمْ بَنَينا في رِمالٍ صَرْحَنا؟!
لِمْ تَرَكنا الأَمرَ يُمضِيهِ سِوانا؟!
لِمْ تَبِعْنا شَهوَةَ النَّفسِ، ولِمْ
نَنبُذُ الأُخرَى ونَختارُ دُنانا؟!
هذه لَيسَت تَعالِيمُ السَّما،
يا أُولِي الأَلبابِ، رِفْقاً وحَنانا
فَخُذُوا ما بَشَّرَ الإِنجِيلُ، أَو
كَلَّفَ القُرآنُ، نَهْجاً ورِهانا
واتَّقُوا يَوماً تَرَى النَّفسُ بِهِ
ما جَنَت قَمْحاً وما نالَت زُؤَانا
أَفَمَن أَسَّسَ بُنياناً على
رَحمَةِ اللهِ كَمَن أَرخَى العِنانا
لِمَلَذَّاتٍ سَيُطوَى وَهْجُها،
بَعدَ أَن لَطَّخَ أُفْقاً وعَنانا؟!
وَحدَهُ وَجهُكَ، رَبِّي، خالِدٌ،
نَحتَمِي فِيهِ فَنَرتادُ الجِنانا!
قد حَبانا اللهُ أَحلَى مَوطِنٍ،
فَارتَضَيناهُ مَلاذاً وكِيانا
عَرفُهُ رائِحَةُ الجَنَّةِ قد
عَبِقَت وَرْداً، بَخُوراً، بَيلَسانا
وإِذا قِمَّاتُنا، في كِبْرِها،
تَزدَهِي أَرْزاً، وتَعْتُو سِندِيانا
ثُمَّ آذَيناهُ حَتَّى باتَ في
أَسفَلِ السُّلَّمِ إِجلالاً وشانا
شاءَهُ كُلٌّ سَبِيلاً لِلغِنَى،
فَانتَشَى خَمْراً وما صانَ الدِّنانا
يا بَنِي قَومِي أَهَلْ هذا الوَفا،
نَرجُمُ البِئْرَ وسَلسالاً رَوانا؟!
أَبِنُكْرانٍ نُجازِي مَوطِناً،
كان، في الجُلَّى، لَنا الحِضْنَ الأَمانا؟!
وَطَنِي… عَفْوَكَ، لَم نُدرِكْ بِأَنْ
صادِقُ البَذْلِ يُجِيرُ الصَّولَجانا
فَتَخِذْناكَ لَنا ضَرْعاً ولَم
نَحمَدِ النِّعمَةَ، أَو نَرعَى اللَّبانا
فَلنَكُنْ حُزمَةَ عِيدانٍ إِذا
لَم نَصُنْ وَحدَتَنا، الدَّهرُ دَهانا!
قُمْ صَدِيقِي نَزرَعُ التُرْبَ إِباً،
حَيثُ داسَ العَسْفُ، واصفَرَّت رُبانا
قُمْ، فَما اعتادَ حِمانا ذِلَّةً،
لا ولا نَكَّسَ مُجتاحٌ لِوانا
قُمْ نُلامِسْ أَرضَنا في طُهْرِها،
في جَنُوبٍ سُفِحَت فِيهِ دِمانا
مِنْ كَفَرمِلْكِي ومَجدِلْيُونَ، مِنْ
مَرْوَحِينِ العِزِّ، مِن أَشلاءِ قانا
مِنْ كَفَرحَتَّى وبِنْتِ جبَيلِ، مِنْ
بَعلَبَكِّ المَجْدِ، حَتَّى عَيْنِ قانا
مِنكِ با بيرُوتُ، يا أُمَّ النُّهَى،
يا مَنارَ الشَّرقِ، يا حِرْزاً حَصانا
قُمْ فَما جَفَّ نَجِيعٌ باتَ في
الرَّبَواتِ الخُضْرِ زَهْراً أُقحُوانا
قُمْ نَقُلْ لِلكَونِ إِنَّا هَهُنا
لَن تَهُونَ الأَرضُ ما دامَت قِوانا
قالَها الأَخطَلُ يَوماً، فَلْنُعِدْ
صَرخَةً هَزَّت ضَمِيراً وزَمانا:
«قُمْ إِلى الأَبطالِ نَلمُسْ جُرحَهُمْ
لَمسَةً تَسبَحُ بِالطِّيبِ يَدانا
قُمْ نَجُعْ يَوماً مِنَ العُمرِ لَهُم
هَبْهُ صَوْمَ الفِصْحِ، هَبْهُ رَمَضانا»!