الأبحاثالمجلة

تجليّات الوطن في شعر وهيب عجمي – أ. منى عبدالله يوسف

تجليّات الوطن في شعر وهيب عجمي

أ. منى عبدالله يوسف

ملخص البحث:

اتجهنا في هذا البحث نحو دراسة تجليّات الوطن في شعر وهيب عجمي، لنظهر كيفيّة ترسيخ الهويّة الوطنية، وانعكاس الجمال الطبيعي للوطن في نفسيّة الشاعر، وتأثير القرية وجمالها ومنعتها وعزّة أهلها في نفسيته أيضاً، وانعكاس ذلك في شعره، وكشف الأبعاد الثقافية المجتمعية وتأثير تلك الثقافة على وطنيّة الشاعر وانتمائه للأرض، واستعداده لبذل النفس والتضحية بالروح في سبيلها، حيث تغنّى الشاعر بالمقاومة الوطنيّة معتزاً بأبطالها نابذاً المحتلين ومن يقف إلى جانبهم من الحكام العرب، معبِّراً عن ولائه للقضية الفلسطينية.

الكلمات المفتاحيّة: وطن، هويّة، انتماء، قرية، مقاومة، فلسطين.

Abstract

We resorted in this research to studying the homeland’s demonstrations in Wahib Ajami’s poetry. To show how to solidify the national identity, the reflection of the natural beauty in the poet’s psyche, the influence of the village, its grace, invincibility and people’s glory on his psyche too, and the reflection of that on his poetry. We also resorted to this topic to unveil the societal and cultural dimensions together, with the impact of that culture on the poet’s patriotism and his belonging to the land, as well as his willingness to give the self and sacrifice the soul for its sake, where the poet took a pride in the national resistance cherishing its heroes. Giving his cold-shoulder and showing hatred to the occupiers and those Arab rulers who give them a hand and stand by their side, expressing his fidelity to the Palestinian issue.

Keywords: Homeland, identity, village, resistance, Palestine.

 

مقدمة:

يبقى الوطن حضناً يعيش فيه الإنسان، وتتشكل تحت عباءته مفاهيمه وأفكاره وعواطفه، ينشأ ويترعرع، وفي داخله تنمو العاطفة وتترسّخ. حتى يصبح كلٌّ منهما ملازما للآخر ويظلّ الإحساس الوطني يلتهب عند الشعور بأي خطر يداهم هذا الوطن، فيلتزم بشكل أو بآخر بالدفاع عنه والتضحية في سبيله.

والشعور بالانتماء دافعٌ يجعل المواطن يفرح بين أحضان المكان الذي نشأ فيه، وهذا الشعور يؤجّج عنده مشاعر الفخر بكل إنجاز، ومشاعر الحزن عند أي إخفاق أو عندما تستعمره وتحتله جهة خارجيّة، فتراه يقاوم كل معتدٍ مضحياً مؤثراً وطنه على نفسه. وشعوره بالانتماء الوطني يعزِّز عنده الشعور بالانتماء القومي أيضاً، “فالانتماء هو الإحساس تجاه أمر معيّن، يبعث على الولاء له، والفخر به، والانتساب إليه” [1]هو “حاجة من الحاجات الهامة التي تُشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين أفراد مجتمعه، وتقوية شعوره بالانتماء للوطن وتوجيهه توجيهاً يجعله يفتخر بالانتماء ويتفانى في حب وطنه ويضحي من أجله” [2]وهكذا يصبح الإنسان وطنيا، على اعتبار أن الوطنية هي “حبّ الفرد لبلده… حيث تتضمّن عاطفة خاصة للفرد تجاه بلده، وإحساسا بالتماهي الشخصي مع البلد، واهتماما خاصّا بخير وصالح البلد. استعدادا للتضحية لتعزيز خير البلد” [3]وبعبارة أخرى فإن الوطنية مزيجٌ من عواطف مختلفة، عاطفة حب الوطن وعاطفة الفخر به، وعاطفة الانتماء إليه، وعاطفة الذود عنه. إنها مجموع العواطف النبيلة التي “يستشعرها المواطن تجاه وطنه من خلال مجموعة من الروابط الروحية التي تتنامى في داخله وتنعكس في سلوكه”.[4]

– تجليات الوطن في شعر وهيب عجمي:

أظهرت الدراسة تجليات الوطن في شعر وهيب عجمي من خلال الملامح التي سبرت أغوار الهوية والانتماء وربطت أفراد الشعب اللبناني بأرضه وتاريخه، مقدمة صورا متعددة للوطن والهوية والانتماء، و لجمال الطبيعة اللبنانية، حيث التمسك بالأرض، وللجنوب من حيث المقاومة والتمسك بالعروبة مظهرة صورة الرئيس والسيد كمقاومين بطلين أرسيا قواعد النصر.

– مسوّغات اختيار الموضوع:

لقد كان لاختيار الموضوع مسوّغات عدّة هي:

– المسوّغ الأول هو استكشاف العمق العاطفي عند الشاعر وكيفية تعبيره عن مشاعره تجاه وطنه.

– المسوّغ الثاني هو فهم التأثير الثقافي الذي حفّز المشاعر الوطنية عنده وكيفية تأثير الظروف الثقافية في شعره.

– المسوّغ الثالث هو كيفية تصوير الشاعر للهوية الوطنية وتحليل الأبعاد الاجتماعية والسياسية في شعره الوطنيّ.

– الإشكالية:

الإشكالية التي تطرحها الدراسة هي:

كيف يعكس الشاعر صورة الوطن في أعماله الشعرية؟ وما العوامل الثقافية التي تؤثر على تصوير الوطن في شعره؟ وكيف يتمّ تجسيد مشاعر الانتماء والوطنية في هذا الشعر؟

الفرضيات:

نفترض من خلال قراءتنا شعر وهيب عجمي أنّ الشاعر يستخدم الصور الوطنية مثل الجمال الطبيعي والهوية والأحداث التاريخية لإظهار عمق العلاقة بين الشاعر ووطنه. بالإضافة إلى دور خلفية الشاعر الثقافية كابن جنوب لبنان في تشكيل صورة الوطن، وتجسيد الانتماء والتأثير في الوعي الاجتماعي تجاه القضايا الوطنية المختلفة.

نقد الدواوين:

لقد اعتمدت في هذه الدراسة على ستة دواوين هي “أعيدوني إلى أمي” (2011)، “بحر اللهب” (2011)، “فتاة الضوء” (2002)، “الأرض روحي” (2013)، “قانا وتوبة السكين” (1998)، و”البركان” (1991).

– ديوان “فتاة الضوء”: صدر عن دار البنان لبنان، في طبعته الأولى عام 2002، ويقع في مئة وثمانين صفحة، تتوزع القصائد فيه على واحد وثلاثين عنواناً، هذا بالإضافة إلى أن الشاعر زوّد هذا الديوان بقصائد لشعراء أصدقاء له قالوها فيه. وفي الديوان موضوعات متعددة منها المواضيع العاطفية الغزلية ومنها المواضيع الاجتماعية والسياسية التي تؤرخ للإنتصارات على العدو.

– ديوان “أعيدوني إلى أمي”: صدر عن دار البنان لبنان، في الطبعة الأولى عام 2011، ويقع في مئة وإحدى وثلاثين صفحة، تتوزع القصائد على تسعة وعشرين عنواناً، تتناول هذه العناوين الموضوعات العاطفية وفي أغلبها مواضيع وطنية تفخر بالوطن وبأمجاده وبصنّاع الانتصارات.

– ديوان “بحر اللهب”: صدر عن دار البنان لبنان، في طبعته الأولى عام 2011، ويقع في مئة وخمس وعشرين صفحة. تتوزع على تسعة وعشرين عنواناً، تتناول هذه العناوين موضوعات مختلفة، وطنية، عاطفية وجمالية، ولكن أشهرها القصائد التي أظهرت منعة البلدات اللبنانية وحصانتها ومنها ضيعة “عيتا” وبلدة الشاعر “معركة”.

– منهج الدراسة:

لقد استخدمنا في هذه الدراسة المنهج التكاملي، من أجل رؤية تحقّق شمولية أكبر لتجليّات الوطن في شعر وهيب عجمي. ودمج تحليلات متعددة الجوانب للتصوير الشعري للوطن.

والمنهج التكاملي هو منهج يتسم بالمرونة والشمولية حيث يجمع عدة مناهج بحثية في إطار واحد موفراً تحليلا متكاملا للموضوع ويتم من خلاله طرح المعلومات بطريقة متكاملة، وهذا المنهج “يقوم على التحليل والتفسير والتقييم و التذوق و الانتقائية”  [5]وهو يتعمق في كل عمل “ويستغل كل الفروع ويبارز كل المناهج التي تحاصره”  [6]

وكان البحث بعنوان: “تجليات الوطن في شعر وهيب عجمي” وقد قسمناه إلى مقدمة وسبعة عناوين وخاتمة. وفي ما يلي خطة البحث كاملة:

خطة البحث:

– مقدمة

– أولاً: صورة لبنان الوطن والهوية

– ثانياً صورة لبنان الجمال وهوى القلب

– ثالثاً: صورة لبنان الطبيعة (النشأة)

– رابعاً: صورة لبنان الأرض (العزّة)

– خامساً: صورة لبنان الجنوب (المقاومة)

– سادساً: صورة لبنان العروبة

– سابعاً: صورة لبنان الرئيس والسيد المقاوم

– خاتمة

أولاً: صورة لبنان الوطن والهوية:

لقد عبّر الشاعر عن هويته الوطنية، وعن مشاعره العميقة متشبثا بأرض وطنه، مدافعاً عنه  في كل المحن التي يمرّ بها، ” فالتشبث بالأرض هو الحفاظ على الوجود الإنساني”[7] وإنّ المشاعر الإنسانية أول ارتباطاتها يكون بالمكان الذي يقدّم الحضن الأول والأمان وهو الوطن، حيث يشعر الإنسان بوجوده وانتمائه. يقول الشاعر:

 “خذوني واغرسوني في ترابي

ولا تبقوا حنيني في اكتئاب

أنا أحيا بموتي في بلادي

وإنّي هالك في الاغتراب”.[8]

يجسد هذان البيتان شعور كل مغترب عن وطنه، فيرى أنه يشعر بالموت في الغربة في حين أنه وإن كان ميتا في وطنه تكون له الحياة وبالطبع هذه الحياة تظهر من خلال أهله الذين يعتبر الشاعر وجودهم امتداداً له، وبالتالي فإن حياتهم هي حياته وفكره. ثم يقول:

“بلبناني الحبيب يعيش أهلي

وبعد الله أهلي في كتابي” [9]

وفي هذا البيت تأكيد على الفكرة السابقة بحيث أن أهله هم امتداده، وحيثما يتواجدوا تكن الحياة. ثم يقول:

“أنا لبنان ليثٌ في عريني

أذلّل مع أخي كل الصعاب” [10]

يعتبر الشاعر أن اللبناني يشعر بقوته وبوجوده عندما يكون في حضن الوطن، ثم يُظهر ما ينبغي أن يكون عليه تفكير كل لبناني بأن يعمل مع أخيه اللبناني للصالح العام، فبتكاتف اللبنانيين مع بعضهم تُذلّل كل الصعاب.

إنه الاندماج الحقيقي مع الجماعة في الوطن ليشكّلوا الانتماء الحقيقي أي “ارتباط الفرد بجماعة، يسعى إلى أن تكون عادة جماعة قويّة، يتقمّص شخصيتها ويوحّد نفسه بها”.[11]

وهذا بالفعل هذا ما أراده وهيب عجمي؛ تشكيل المنعة والوحدة من خلال تكاتف وتعاضد الأخوة في الوطن.

ثانياً: صورة لبنان الجمال وهوى القلب:

يجسد الشاعر في قصائده جمال لبنان الطبيعي فينعكس هذا الجمال في الطبيعة والجغرافية على جمال الداخل في نفوس أبنائه، حيث الشموخ والرفعة والأنفة.

“هنا وطني بحضن الله يربو

ولبنان المحبة في خطابي

هنا أرز شامخ في الأعالي

دم التفاح في خدّ الهضاب” [12]

إنه بلد الشموخ والعظمة والجمال الطبيعي بجباله وسهوله وأنهاره وأزاهيره وفي كل تفاصيله:

“جبلٌ عظيمٌ شامخٌ برجاله

وبأرزه تتجدّد الأغصان

ذهبُ السنابل لامع بحقوله

بفصوله كم يزهر البستان

نهرٌ بسهل زاهر بربيعه

وربيعه روح الثرى الفتان

كل الجمال نسائم من لونه

إن الجمال بوجهه ألوان”.[13]

إنّه لبنان ذلك الجبل الشامخ العظيم برجاله العظام الشامخين كأرزه، بلد جميل بخيراته وفصوله وزهور بساتينه، وبأنهاره حيث حطّت الألوان بكل بهارجها في وجهه الجميل فيظهر في الربيع لوحة مزركشة أخاذة ولشدة جماله حتى النجم يتمنى أن يكون إنساناً يتربّع على عرش تلاله.

“والنجم نادى في النجوم تحسُّراً:

يا ليتني بتلاله إنسانُ” [14]

كما أنّ لبنان فرض حبه ليس على أهله فقط إنما على غيره من الأقوام والبلدان، فيشبهه الشاعر بالسفينة التي تتشوّق الشطآن أن يحط رحله فيها لجماله وعذوبته.

“أبحر فعندك للعطاء سفينة

لكنوزها تتشوق الشطآن

واعرف فإنّك للحياة نشيدها

العذب الجميل فتُطرب الآذان” [15]

كما أن الأرض لا بد أنها تعشق هذه القطعة منها التي تسمى لبنان.

“إني أخال الأرض حين بلوغها

اعترفت بأنّ حبيبها لبنانُ” [16]

فالشاعر شخّص الأرض واعتبر أنها عندما بلغت سن الصبا وأرادت أن تحب، فلم ترَ حبيباً يستحق عظمتها غير لبنان الجميل الذي يستحقها بجدارة.

كما ويعبر الشاعر عن حبه العميق لوطنه، وارتباطه القوي به، بحيث أصبح لبنان جزءا لا يتجزأ من كيانه، يسيطر على قلبه وعواطفه، فهو لم يعد مجرّد بقعة جغرافية، بل صار جزءا من القلب والهوى.

“هوى لبنان عشش في ضلوعي

ويدفعني له طول الغياب

هوى لبنان دوّى في عروقي

دويّ الرعد في رئة السحاب

هوى لبنان عندي كلُّ طير

يشاركني بأفراح الإياب” [17]

تعكس هذه الأبيات مشاعر وهيب عجمي الصادقة تجاه وطنه الذي يستوطن أعماقه، وهو قويّ قوّة الرعد في رئة السحاب، يدوي في عروقه ولا يستطيع أن يسكته، لا بل هذا الحب يأتي بالخير كما الرعد الذي يجلب المطر، إنه الانتماء إلى الوطن حيث يشعر وهيب عجمي أنّ السبل كلها هيّئت لكي يكون لبنان أهلاً للحب.

“قلبٌ له طرق المحبة عُبّدت

ومدائنٌ في صدرها سكان

لبنان قلبٌ نابضٌ بصدورنا

أرض المحبة للجمال كيان

لبنان حلمٌ أبيض بثلوجه

وله على غصن السلام بيان

في قلبه شجر المحبة وارف

أثماره الإخلاص والتّحنان

وطني أحبك حب أهلي والسما

برموش عينك تُسحر الألحان” [18]

 

ومن شدة هذا الحب للبنان يشعر وهيب عجمي أنّ هذا البلد هو دينه ومعبوده.

“وطنيّتي ديني لمجدك ينتمي

كرمى لعينيك تُرْتَدى الأكفان” [19]

إنها عاطفة الشاعر العميقة تجاه وطنه، حيث تُظهر مشاعره الرقيقة وارتباطه العميق، فأصبح الوطن دينا للشاعر ومعبودا، وذلك يعزز عمق الانتماء والهوية الوطنية والعظمة والجمال الوطنيين اللذين ألهبا قلب شاعرنا، فتراه مستشعراً غزارة هذه العواطف و نبلها.

ثالثاً: صورة لبنان الضيعة (النشأة):

القرى اللبنانية في العموم هي ضيع جميلة محاطة بالأشجار الخضراء الوارفة، و بالبساتين، والجداول، تمنح الناظر إليها سكينة وهدوءا نفسيّا، فكيف إذا عششت هذه المشاهد في كيان الشاعر الذي نشأ في القرية وترعرع فيها وتعلم حب الجمال من بهائها. فها هو الشاعر يصف قريته. حيث الوطن الأول، والجمال الساحر الذي يبهره ويسيطر على أحاسيسه.

“قريتي من ذكريات وحجر

ورسومٍ من خيالات البشر

وحنينٍ في جدارٍ لم يزل

حاملاً من سطحه بعض الأثر

وبيوتٍ في البراري سرحت

لفّها في حضنه حضن الشّجر

وسماءٍ يسبح الصقر بها

غيمها الأبيض قطنٌ وصور” [20]

يصف جمال قريته وعراقتها والبيوت الأثريّة التي ما زال أثرها موجوداً حتى اليوم، وتلك التي سرحت في البراري، ففي كل مطرحٍ من براريها ترى بيتاً جميلاً محاطاً بالأشجار وكأنها تحتضنه، ناهيك عن سمائها حيث غدت مسارح للصقور والطيور، وغيمها الأبيض الناصع كأنه القطن يتحلق في السماء ببهاء وروعة.

وفي هذا الوصف دلالة على البساطة التي تخلق الجمال دون تعقيد، فالجمال فيها مخلوقٌ سحريّ فطريّ لم يلوّثه التطرف الحضري. وهذا يدل على عشق الشاعر لكل تفصيل من تفاصيل هذا الوطن.

ثمّ يبيّن ليالي الأنس في قريته والروعة، حيث النجوم ثريّات من نور الإله، تطلق هذا النور فيصطاف النظر.

“قريتي حبٌّ وأنسٌ فائضٌ

وليالٍ من حكايا وسمر

ونجومٌ كصبايا شعشعت

تطلق النور فيصطاف النظر” [21]

ثم يصف القرية وحالتها في فصول السنة، ففي كل فصل تظهر أكثر بهاء.

“وربيع صدح الطير به

علّق العش بأكتاف الزهر

كم خريفٍ كشف السرّ لها

وغدا يغسل رجليها المطر

وجهها شمسٌ حقولٌ ودرر

صيفها الحلو سلالٌ وثمر

قريتي زرعٌ وخيرٌ دافقٌ

وكنوزٌ بترابٍ تُدّخر” [22]

فهي في الربيع غنّاء تصدح في أرجائها الطيور، وتبني أعشاشها بأمان وحب حيث الزهور تشعشع المكان فتزيد من سحرها ورونقها، وفي الخريف تتبلّل بقليل من المطر، أما صيفها فتكلله الشمس مُفترشة نورها والحب فوق الحقول لتينع أطيب الفواكه، وفي الشتاء تُزرع أرضها الخصبة فتدّخر كنوز المواسم الخيّرة. ناهيك عن أهلها الشامخين شموخ سنديانها يعلوهم المجد ويكلّلهم الفخر.

“وجدودٌ سدرة المجد لهم

شأنهم عالٍ وفيهم يفتخر

قريتي من سنديان شامخ

يبلغ الريح ويجتاز الخطر

وقفت فوق الروابي عالياً

لثمت عند المسا ثغر القمر

وجمالٌ وصفاءٌ قريتي

لرضاها مبدعاً غنّى الوتر”[23]

قريته شامخة في أهلها وشامخة في جغرافيتها حيث تشعر وكأنك تلامس القمر في أمسياتها.

رابعاً: صورة لبنان الأرض (العزّة):

مفهوم الأرض هنا يتجاوز الجغرافيا الضيقة، ليعكس نظرة أوسع وأشمل وهي الانتماء، لأنّ “الانتماء للوطن يجسّد التضحية من أجل الشعب والأرض. تضحية نابعة من الشعور بحبّ ذلك الوطن وأهله” [24]والأرض كوطن تعني احترام التنوّع والاختلاف في المعتقدات حيث المسلم أخٌ للمسيحي في الوطنية، يتشارك معه حماية الوطن والأرض ويشمخان معاً ويعتزان بإنجازات هذا الوطن.

“روحي هنا في الأرض فاحفظها ولا

تبع التراب لأنه في روحي

أشجارها ارتفعت تناجي ربّها

سرحت بسهلٍ مثمر وفسيح

شمخت بأهلي للسماء جبالها

يحمي حماها مسلمٌ ومسيحي

أطفالها شربوا ارتووا من مجدها

أطيارها تصحو على التسبيح

(…)

أفصحت عن شعري المتيّم بالثرى

فنما على زهر الرياض فصيحي

ولحمت شرياني بحبل وريدها

حتى أداوي جرحها بجروحي”  [25]

فالأرض وترابها تعادل الروح، لذا يدعو الشاعر للحفاظ عليها كما يحافظ الإنسان على روحه لكي تبقى شامخة عزيزة.

“وطني عظيم واسمه لبنان

بلغ العلا ورصيده الإيمان” [26]

وها هو يعتزّ بوطنه لبنان الذي بلغ العلا بين الأوطان ورصيده هو صدق الإيمان الذي يتمتع به أبناؤه.

ولم ينسَ الشاعر أن يوظف الشهادة والاستشهاد كمفهوم ديني لتعزيز فكرة المحافظة على الأرض وتقديسها والدفاع عنها.

“وما تنازل شبلٌ عن شهادته

إلّا وكان لأمر الله يمتثل

إنّ الشهيد حسام النصر والدهُ

وأمه جبلٌ ما هزّها ثكلُ” [27]

فقد كان الدفاع عن الأرض واجباً دينياً عزّز ارتباط اللبناني بأرضه وفي هذا الارتباط والدفاع المقدّس تقرّب إلى الله، ما يؤكد الهويّة الوطنية والفريضة الدينية.

خامساً: صورة لبنان الجنوب (المقاومة)

يظهر انتماء الشاعر إلى لبنان الوطن، من خلال انتمائه إلى الأصل، فهو ابن الجنوب، ويعتز بهذا الانتماء، حيث القيم الوطنيّة السامية، والتضحية بالنفس في سبيل رفعة لبنان وإزالة المحتل، هذه القيم التي تربى عليها الشاعر في جنوبه، افتخر بها وألهبت مشاعره الوطنية، فتراه يقدّس أرض الجنوب ويعتز بأهله النجباء المضحين دائما في سبيل الوطن، إنه سلوك يعبّر عن امتثال الشاعر ” للقيم الوطنية السائدة في المجتمع… والاستعداد للتضحية دفاعاً عن الوطن” [28]

“بأبي وأمي والقصيدة أقسم

إني بحبك يا جنوب متيّمُ

أهلي هنا عاشوا وقد ضحوا هنا

تنبيك آثارٌ لهم تتكلمُ

لصقوا جلودهم بتربة عامل

ووفاؤنا للأهل عهدٌ ملزمُ” [29]

“إنه الاعتزاز بين الفرد والجماعة الذي يوفر الإحساس بالأمان والرضا والفخر والاعتزاز” [30]حيث وجد الشاعر نفسه منتمياً إلى الجنوب قلبا وعقلا وفي انتمائه وفاءٌ واعتزاز وهو يضم نفسه إليهم ويتكلم على انتصاراتهم بلغة الجماعة وضمير المتكلم الجمع للتأكيد على التحامه معهم وتطلعه وإياهم إلى المستقبل المشرق عبر مقاومة الاحتلال التي اعتمدها أهل الجنوب فهُزِم العدو أمامهم وراح ينفّس غضبه بقصف البيوت وهدمها على رؤوس الأطفال وارتكاب المجازر.

“سقط الرهان على الجنوب بعزمنا

ومكائد الأعداء باتت تُعلمُ

هربا من الأبطال في ساح الوغى

قصفوا البيوت على الصغار وهدّموا

كلّ المجازر في الوجود صنيعهم

والقاتلون عصابة لا تسلمُ”[31]

وعندما يتحدث الشاعر عن الجنوب المقاوم لا بد أن يذكر القرى التي شهدت ملاحم بطولية في وجه المحتل وكانت له بالمرصاد في بطولات أبناء الجنوب المقاومين وتصدّيهم للاحتلال ومنها قرية عيتا الشعب.

“عيتا لكل الناس فيها ألف بابْ

وهي التي ولدت لتسمع في مآذنها تراتيل الكتابْ

عيتا تؤذن للصلاة: الله أكبر حيث يكتمل النصابْ

 فيقاوم الأعداء فيها كلّ ما فيها،

عناقيد الدوالي والخناجر والحناجر والحجارة والحرابْ،

كل القرى من حولها أخواتها المتألّقاتْ

(…)

كل العرائس في رباها عابقاتٌ بالطيوبْ

ومسارح الشهداء والأحرار والثوار في عيتا

أساطير المقاوم و الكمائن في الدروبْ

هتفت لعيتا من أقاصي الأرض أفئدة الشعوبْ

فسمت لترفع للسماء رأس العروبة والجنوبْ” [32]

هكذا يرى هذه القرية الصغيرة التي دنّستها يد المحتل، وحاولت تركيع أهلها، لكنها لم ترضَ وقاومت مخرز الاحتلال بعين ثاقبة، تسعى نحو يقينية الهدف وهو تحرير البلاد والعباد، وكانت صلبة بأهلها مقاوِمةً عزيزة أبيّة،  أثبت فيها أهل الجنوب شجاعة وبطولة، وهذا الذي جعلها متألقة بين أخواتها من قرى الجنوب الصامد، فكانت تعبق بطيب الجهاد وفي ترابها نبتت دماء الشهداء عزّة وثورة فسطّرت البطولات التي رفعت رأس لبنان والعرب عالياً.

“عيتا جيوش الثائرين على الحدودْ

عيتا ديار الله والذكرى على أرض الجدودْ

عيتا سلاحك قاهرٌ كيد اليهودْ

يا من يصلي الفجر، في وجناتها جبلُ الورودْ

أنتِ التي خطّت كتاب المجد آيات الصمودْ

يا قلعة العزّ التي ارتفعت بأجنحة الزنودْ

ورجالها قد أجهضوا زيف التآمر

حطموا ذل القيودْ

لإلهنا إنّا سجدنا فيكِ يا أم الأسودْ

عيتا لوجهك بعد الله

قد وجب السجودْ” [33]

يرى الشاعر أن بلدة عيتا تمثل الثورة حيث أرض الجدود الخالدة، وحيث السلاح الذي قهر المحتل، فهي أرض التضحية وعلى وجناتها جبلت الورود، ويعني بذلك  الفداء والتضحية بالدماء التي سالت من الأجساد الطاهرة،  كما يشبهها الشاعر بقلعة العز التي يفخر بها كل لبناني، تلك القلعة التي ارتفعت بزنود المقاومين الذين أجهضوا كل زيف الأعداء، ويقصد هنا زيفهم بأنهم جيشٌ لا يقهر، فقد قُهِروا في “عيتا الشعب” أمام أبطال حطمّوا ذلّ القيود.

إنّ الجنوب في ذاكرة كل لبناني عاش الحروب الظالمة، وفي وجدان من يؤمن بالمقاومة وخطّها، فها هو الشاعر يكتب الجنوب بأسطر النصر، ويجسّد في قصيدته التي عُنوِنت ب “عرس الانتصار” يجسد ذلك الانتصار الذي كان عرساً للجنوب.

“عرس الجنوب مدى الزمان يطول

والنصر فوق جبينه إكليل

رصفت براكين الحياة دماؤها

حِمَمٌ على جيش العدى سيول

الله أكبر في الجهاد شعارها

وكتابها القرآن والإنجيل” [34]

وهنا يشبه الشاعر الانتصار بالعرس العظيم الذي كلّل الجباه، ويرى أن الحياة زحفت بالدماء إلى شريان الجنوب، هذه الدماء التي يقصد بها الشهداء الذين ضحّوا في سبيل أن يتحقق هذا النصر. ويقول أيضاً:

فاهنأ بنصرك يا جنوبي وازدهر

فالنصر للشعب العظيم جميل

يا صامداً في الأرض تبني مجدها

من سنديان قدُّك المصقول

يا زارعاً في الصخر رايات الفدا

وعدوُّه تحت الصخور قتيل

يا غارساً فينا الشجاعة والإبا

دحر الغزاة يمينك المفتول

يا رافعاً رأس العروبة عالياً

وذراعه فوق النجوم طويل

افتح على قمم النضال مدارساً

لدروس تحرير الشعوب أصيل” [35]

إنها المشاعر الوطنية التي لا يستطيع الشاعر مع تحقيق النصر للمقاومة على الاحتلال أن يلجمها، فكانت مشاعر الاعتزاز تتخبّط في داخله.

وقد برز ذلك بشكل واضح وجليّ، وكانت الحماسة واضحة معبرة عن اعتزاز الشاعر بهذا النصر الذي يرى فيه ازدهارا لشعب لبنان العظيم، وعرساً للشجاعة والإباء في النفوس، ورفعة للعرب وللعروبة. حيث يرى في هؤلاء الذين حققوا النصر دروسا وعبرا للشعوب التي تبغي وتطلب التحرير.

ويقول في موضع آخرمعتزا بلبنان وطنه، ممجّدا المقاومة فيه:

“لنا مقاومة في فجرها رفعت

جبيننا عاليا فلتشهد الأمم

لبنان تحيا كما الشريان في دمنا

لبيك لم يتعذّر للفداء دم

الأرض أرضك والتحرير كلّلها

إنّ البلاد بلا استقلالها عدم

فاشمخ بنصرك يا لبنان مبتهجا

فالفجر طلّ وفي عينيك يبتسم” [36]

يرى الشاعر أن المقاومة لا زالت في فجر البدايات وقد رفعت جبين اللبنانيين عاليا فهو في هذه الأبيات يمجّد المقاومة ويرى أنها سبب الشموخ والعزة للوطن.

كما إنه يرى أن أساس قيام المقاومة انطلق من بلدته “معركة” مع الشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن القرى وعن كل الوطن (سعد وجرادي وخليل…)

“اسمع ندائي وحكّم فيك آذانا

ما قام حربٌ على الأنجاس لولانا

قد كبّر الشعب في حيفا انتفاضته

وثورة القدس نبضٌ في خلايانا” [37]

وكذلك يوجه كلامه إلى الأم القاومة في قصيدة “كواكب السلام”، وإلى الأسرى وأرواح الشهداء بشارة ومحيدلي والحر العاملي.

“حيّوا الجنوب وحيّوا الأم والولدا

وعانقوا الريح في أحضانها الشهدا

شعبٌ يفجر كالبركان ثورته

قد حرّر الأرض للأجيال واتّحدا” [38]

سادساً: صورة لبنان والعروبة:

إنّ حب الوطن عند الشاعر لم ينسه أوطان الآخرين. بل على العكس فقد جعله حبه لوطنه محبّا لكل الوطن العربي، فاحتلال وطنه جعله يتعاطف مع كل الأوطان المحتلة، لذلك نرى فلسطين المحتلة حاضرة دائماً في وجدان شاعرنا، وليس فقط فلسطين؛ كذلك مصر وسورية والعراق.

يقول الشاعر في قصيدة “موعد مع الأرض” التي يهديها إلى صيدا قلعة النضال ومن خلالها إلى القائد جمال عبد الناصر.

“لست تهترّ لريح

أو لغاراتٍ مخيفة

أنت في الميدان تغلي

مثلما تغلي القذيفة” [39]

في هذه السطور الشعرية تعظيم للقائد العربي، الذي يعتبره بطلاً شجاعاً لا يهتزّ لأي غارة بل يبقى في الميدان يغلي، وهذا دليل على عدم تخليه عن الأوطان بل دفاعه عنها وعدم مساومته عليها، فهو لا يهادن ويبقى صامدا أبدا.

وقد وضع الشاعر قصيدة خاصة بالرئيس جمال عبد الناصر، عنوانها “عد يا جمال” يقول فيها:

“وطنية خلّاقة وكمال

فخر العروبة والزمان جمال

وجهٌ وديع مشرقٌ متألقٌ

ومحبةٌ ومهابةٌ وجلالُ

(…)

هو ماردٌ خبر الحياة بعقله

وله من الخلق العظيم خصال

ومفكرٌ ومقاوم متمرّسٌ

ومكارمٌ شمخت به ونضال” [40]

يصف في هذه الأبيات الوطنية عبدالناصر وعروبته معرجاً على وصف الإشراقة في وجهه والتألق في شخصيته والمهابة والجلال، وينعته بالمقاوم وبالبطل المتمرس في النضال والمقاومة، ثم يقول:

“دنيا العروبة أزهرت بلقائه

واخضوضرت في حضنه الآمال

قلب العروبة خافق بجمالها

وجمالها للأكرمين مثال

يا أيها العربي قد علّمتنا

أن الكرامة بالدماء تنال

أبعدت عنها الطائفية قائدا

جمع الشعوب تحبّه الأجيال” [41]

وها هي فلسطين حاضرة في شعره، يعبّر عن الظلم الذي تتعرض له والذي فاق كل الحدود والعرب نائمون متخاذلون لا يحرّكون ساكناً ولا تدفعهم الحمية للذود أو الدفاع عنها.

“تحمّل الكون ظلماً في مسيرته

وفي فلسطين ظلمٌ ليس يُحتملُ

أطفالها ذبحوا، أجدادها عدموا

نساؤها سبيت، أبناؤها اعتقلوا

والعرب ناموا على الأسياف وانتحروا

بكى عليهم حداة العيس والإبلُ” [42]

إنه الظلم الذي يقاسيه شعب فلسطين جرّاء الاحتلال، عذابٌ وأسرٌ واعتقالات، واستشهاد، ونساء سبينَ مظلومات، كل هذا ولم يحرّك أحدٌ ساكناً أو يستنفر، بل ناموا على سيوفهم منتحرين، ويقصد الشاعر أنهم بسكوتهم ماتوا في ضمائر الشعوب العربية، وكذلك ماتت نخوتهم العربية. ويقول في موضع آخر منتقداً الحكام العرب وتخاذلهم وعدم نصرتهم لفلسطين موجهاً كلامه إلى جمال عبدالناصر لكي يقوم ويوقظهم من السبات الذي هم فيه .

“قم أيقظ العرب النيام وهزّهم

فدم العروبة خاملٌ مكسال

هذي فلسطين التي أحببتها

في صدرها بين الرماح وصال

ذُبحت فلسطين بسيف عدوّها

والمسخ فوق جبينها يختال

نزفت على مرأى الجيوش دماؤها

وتقطعت في جسمها الأوصال” [43]

فلسطين الحاضرة دائماً في وجدان الشاعر، يكاد في كل قصيدة وطنيّة يذكرها، فهنا يخاطب الرئيس عبدالناصر الذي دعم القضية الفلسطينية ويصف جروح فلسطين النازفة أمام الجيوش العربية المؤلّلة التي لم تحرك ساكناً وتركت فلسطين لمصيرها.

“من غزة الشماء يوم توجعت

غطت جثامين الصغار رمال

قتل العدوّ نساءها وشيوخها

دُفنت بأكوام الدمار عيال

فبكى فؤادي يا جمال ولم أجد

من يشتكي فبكت معي الأطلال” [44]

الشاعر حزينٌ لما حلّ بغزة من قتل ودمار والمخزي في نظره أنه لم يجد تعاطفاً من العرب ولم يشتك أحد، فيخاطب الرئيس عبدالناصر باكياً وحزيناً؛ وفي ذلك تحسّر على الأيام التي كان الجيش المصري بقيادة عبدالناصر يدافع فيها عن العروبة وعن فلسطين.

هذا ولم يكتف الشاعر باستنكار ما حصل في فلسطين فقط، من أجل استنهاض الأمة للدفاع عنها، بل في العراق أيضا حيث الاحتلال ووجه دجلة المحزون والدماء تسيل، وليس من يحرك من العرب ساكناً.

“عد يا جمال ففي العراق كوارث

هدّامة ودم الورى شلال

ولدجلة المحزون وجهٌ شاحبٌ

ودماؤه من عينه تنهال” [45]

هذا ولم ينس الشاعر مصر، فيراها معدومة الكرامة بلا عبد الناصر، وقد طال هجره لها.

“ولمصر عد لترى سلاطين الدجى

فهم لمن ذبح الشعوب نعالُ

قد طال هجرك ما لمصر كرامةٌ

من دون شخصك في البلاد ضلالُ

عُد يا جمال فبانتظارك أمّةٌ

تهوى الفدا ودم الفدا هطّال

عُد يا جمال لمن تركت بلادنا

إذ ليس بين الحاكمين رجال” [46]

سابعاً: صورة لبنان الرئيس والسيد المقاوم

لقد صوّر الشاعر وطنه لبنان الصامد في وجه كل عات، والحاضر دائماً لحمل هموم الأمة العربية بأكملها، فلم ينسَ الرئيس الذي هيّأ الأرضية الخصبة للعمل المقاوم عبر دعمه وحمل لواء الدفاع عن الوطن وعن الذين يؤثرونه على أنفسهم بالتضحيات مهما غلت وعظمت، فأفرد له قصيدة تحت عنوان “فخامة المقاوم شكرا”. إلى فخامة الرئيس الوطني اللبناني إميل لحود، وجاء في القصيدة:

“لسان النصر يهتف يا إميل

من الدنيا لك الشكر الجزيل

(…)

ذرى لبنان حيّتك امتنانا

تُقبّلك الجبال، كذا السهول

فأنت محرّرٌ هذي الروابي

وبالتحرير هنّاك الرسول

أحبّك كلُّ ذي شرف جليل

فأنت القائد الفذّ الجليل

تدفقت القلوب إليك سيلاً

لأنك بحرها وهي السيول” [47]

كانت الأبيات بمثابة شكر من الشاعر إلى الرئس ومن خلاله يظهر أن كلّ مكان في لبنان يحييه، معتبراً أنّ كلّ ذي شرف أحبّ هذا الرئيس، وقدّر أعماله ومواقفه العظيمة في سبيل تحقيق النصر للبنان على العدو الاسرائيلي.

” تليق بك القيادة في بلادي

وأنت الأصل فيها لا دخيلُ

ألا يا رافعاً في الشرق عرشاً

عظيم الشأن ليس له مثيل

حملت همومنا رغم المآسي

يقارعكم جبابرة فحولُ

وما بدّلت في رأيٍ سديدٍ

فنهجك ظافرٌ وله أصولُ

وأنت مقاومٌ مرفوع راسٍ

جبين الشمس قربكم خجول” [48]

تجسد هذه الأبيات مدى حبّ الشاعر للرئيس ومدى إعجابه بمواقفه البطولية في سبيل الوطن، فيثني عليه ويعتبر أنّه رفع رأس لبنان عاليا في هذا الشرق، مسترجعا الهموم التي كانت تقع على عاتقه؛ وفي ذلك إشارة إلى التهديدات العديدة التي كانت تصله عبر الدبلوماسيين للانسحاب من خط المقاومة والتخلي عنها لكنه ما بدّل رأيه، فظلّ متمسكا بمواقفه سائرا على النهج السليم حتى تحقق النصر فكان المقاوم المرفوع الرأس الذي أحبه اللبنانيون.

ولم ينسَ الشاعر بطل المقاومة الأساس، الذي كرّس دعائمها مقدّماً فلذة كبده ليكون المنارة للعمل المقاوم والذي يعتبره الركن الأوّل الذي بنيت على أكتافه كل الأعمدة في هذا البلد، مبيّناً أنه متى وعد صدق وكان منتصرا دائما.

“على اسمك النصر نصرالله يا حسن

فيكَ الإباء على الأرواح مؤتمن

يوم التحدي وعدت الشعب في وطني

بالانتصار وسيف الحق ممتحنُ

فكنت أول من طلت بشائره

والبشرُ نصرٌ وكان الشامخ الوطنُ

ووعدك الصادق ما خابت بصائره

فأمه الشمس محكومٌ بها الزمن

أنت الشجاع أبو الثوار منتصرٌ

والحرُّ أنت الكبير القائد الفطنُ” [49]

يبدأ الشاعر قصيدته بتفسير الاسم الذي يعني النصر بحدّ ذاته، فهو بذلك اسمٌ على مسمى، وقد طلّت من خلاله أولى بشائر النصر لهذا البلد الشامخ.

وقد وعد الناس أثناء الحرب، وفي أوج المعركة بأنهم سينتصرون وهذا ما حصل بالفعل، فكان الشجاع والبطل. ويقدمه الشاعر على أنه أبو الثوار الحر والفطن الذي ما وعد إلا وكان صادق الوعد.

“قد صار للموت معنى في مواسمنا

حتى غدا علماً في صدرنا الكفنُ

ما همُّ أمتنا ما دمت قائدها

وأنت فيها أساس النصر والركن

وأنت فيها قدس العرب صاعقةٌ

ستحرق الأرض بالأعداء يا حسن” [50]

يظهر الشاعر في هذه الأبيات أن الموت الذي هو الفناء والانتهاء في الدنيا، صار له معنى في قاموس اللبنانيين، والمقصود أنه صار مرادفا للعزة والكرامة والعنفوان فاكتسب أسماء أخرى تعبّر عمّا صنعه الموت من معجزات في هذا البلد، فتضحية الشهداء وموتهم كان حياة للوطن ورفعة وعزّة، وغدا السيد المقاوم الأساس في تحقيق النصر سواءٌ على صعيد لبنان أو على صعيد الأمة من خلال ذكره للقدس.

الخاتمة:

في ختام تجليات الوطن في شعر وهيب عجمي، نجد أنّ تصوير الوطن في الأدب يمثل بعدا عميقا للعلاقة بين الشاعر ووطنه، بحيث لم يعبّر فقط عن مشاعره تجاه وطنه بل أضفى طابع البعد القومي على هذا الشعر. وأبرز النتائج التي كشفتها الدراسة هي أن الشاعر استخدم صور الجمال الطبيعي للبنان وأبعاده الثقافية والاجتماعية من أجل تعزيز قيمة الوطن في وجدان المتلقي، وأظهر قيمة جمال القرية اللبنانية وتأثيرها في ترسيخ محبة الوطن في كيان الشاعر، و أوضحت الدراسة أيضاً الخلفية الثقافية التي ثبّتت المواطن اللبناني في أرض وطنه وجعلته يضحي من أجله، مبيّناً الشهادة كمفهوم ثقافي ديني، ما يعكس التأثير المتبادل بين الشاعر والبيئة المحيطة، وتعزيز الارتباط والانتماء والوطنية متجاوزا حدود التعبير الأدبي حيث أصبح الشعر معه أداة فعّالة في تعميق الانتماء الوطني والصمود والتحدي.

 

 

المصادر والمراجع العربية:

منى عبدلله يوسف، طالبة دكتوراه في الجامعة الإسلامية في لبنان-كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في صدد إعداد الأطروحة تحت عنوان:

” الخلود بين ملحمتي “جلجامش” و “من حراء حتى كربلاء” دراسة سيميائية مقارنة”

إشراف الأستاذ الدكتور علي نسر

1- بدوي، أحمد زكي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1982م.

2- خضر، لطيفة إبراهيم: دور التعليم في تعزيز الانتماء، عالم الكتب، بيروت، ط1، 2000.

3- الدروع، قاسم: نحو تربية وطنية هادفة، المطابع العسكرية، عمان، لاط،  1999.

4- عجمي، وهيب: الأرض روحي، دار البنان، لبنان، ط1، 2013.

5- عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، دار البنان، لبنان، ط1، 2011.

6- عجمي، وهيب: بحر اللهب، دار البنان، لبنان، ط1، 2011.

7- عجمي، وهيب: البركان، دار العلوم العربية، لبنان، ط1، 2002.

8- عجمي، وهيب: فتاة الضوء، دار البنان، لبنان، ط1، 1991.

9- عجمي، وهيب: قانا وتوبة السكين، منشورات وشركة دار الجنوب للطباعة، ط1، 1998.

10- ناصر، إبراهيم: التربية الوطنية المواطنة، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، ط1، 1993م.

11- النجار، عبدلله: الانتماء في ظل التشريع الإسلامي، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة، لاط، 1411ه.

12- اليسوعي: كامبل روبرت: أعلام الأدب المعاصر، سير وسير ذاتية، الشركة المتحدة للتوزيع، ط1، 1996.

المصادر والمراجع الأجنبية أو المعربة:

13- إمبرت، إنريك أندرسون: مناهج النقد الأدبي، ترجمة الطاهر أحمد مكي، مكتبة الآداب القاهرة، مصر، طبعة 1991.

14- بريمو راتز، إيغور: الوطنيّة، موسوعة ستانفورد للفلسفة، ترجمة هويدا الشوفي، مجلة حكمة، 31-10-2019.

المجلات والمواقع الإلكترونية:

15- آل مبارك، عبدلله بن ناجي (الخميس 18 ذي العقدة 1427ه). قراءة في مفهوم الانتماء الوطني، في صحيفة الرياض، الرياض، مؤسسة اليمامة الصّحفية.

16- أبو فودة، محمد عطية: دور الإعلام التربوي في تدعيم الانتماء الوطني لدى الطلبة الجامعيين في محافظات غزة، ص 32، نقلاً عن السجل العلمي لمؤتمر واجب الجامعات السعودية في حماية الشباب، للباحث بدر علي عبدالقادر. مج 5، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

17-الفيصل،سمر روحي: نقاد الرواية في سورية:الدكتور حسام الخطيب،مجلة الموقف الأدبي،اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ع121، أيار1981.

 

هوامش البحث:

1: النجار، عبدالله: الانتماء في ظل التشريع الإسلامي، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة، لاط، 1411ه، ص14.

2: آل مبارك، عبدلله بن ناجي (الخميس 18 ذي العقدة 1427ه). قراءة في مفهوم الانتماء الوطني، في صحيفة الرياض، الرياض، مؤسسة اليمامة الصّحفية، ص 23

3: بريموراتز، إيغور: الوطنيّة، موسوعة ستانفورد للفلسفة، ترجمة هويدا الشوفي، مجلة حكمة،

31-10-2019.

 الدروع، قاسم: نحو تربية وطنية هادفة، المطابع العسكرية، عمان، طبعة 1999، ص 25.4:

5: الفيصل، سمر روحي: نقاد الرواية في سورية: الدكتور حسام الخطيب،مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق،ع121، أيار1981،ص58

6: إمبرت، إنريك أندرسون: مناهج النقد الأدبي، ترجمة الطاهر أحمد مكي، مكتبة الآداب القاهرة، مصر، دط، 1991، ص220

7: اليسوعي: كامبل روبرت: أعلام الأدب المعاصر، سير وسير ذاتية، الشركة المتحدة للتوزيع، ط1، 1996، مج1، ص 517.

عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، دار البنان، ط1، 2011، ص6..8:

م.ن. ص9..9:

عجمي، وهيب : أعيدوني إلى أمي، ص10.10:

11: بدوي، أحمد زكي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1982م، ص137.

:عجمي، وهيب : م.س.، ص7 12

13:عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص 8

: م. ن. ص9 14

15:عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص14

16: م. ن. ص15

عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص 8.17:

18: عجمي، وهيب: بحر اللهب، دار البنان، ط1، 2011، ص 7-13

19:عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص14

: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص106 20

21: م.ن. ص107

22: عجمي، وهيب : أعيدوني إلى أمي، ص107

23: م.ن. ص107-108

24:ناصر، إبراهيم: التربية الوطنية- المواطنة، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، ط1، 1993م،ص 23

25: عجمي، وهيب: الأرض روحي، دار البنان، لبنان، ط1، 2013، ص 7-8

26: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص7

27: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص 18-19

28:أبو فودة، محمد عطية: دور الإعلام التربوي في تدعيم الانتماء الوطني لدى الطلبة الجامعيين في محافظات غزة، ص 32، نقلاً عن السجل العلمي لمؤتمر واجب الجامعات السعودية في حماية الشباب، للباحث بدر علي عبدالقادر. مج 5، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص 1563

29: عجمي، وهيب: قانا وتوبة السكين، منشورات شركة دار الجنوب للطباعة والتجليد، ط1، 1998، ص 87

30: خضر، لطيفة إبراهيم: دور التعليم في تعزيز الانتماء، عالم الكتب، بيروت، ط1، 2000، ص 14

31:عجمي، وهيب: قانا و توبة السكين، ص88

32: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص24-27

33: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص30

34: عجمي، وهيب: فتاة الضوء، دار البنان لبنان، ط1، 2002،ص28

35: عجمي، وهيب: فتاة الضوء، ص129

36: عجمي، وهيب: فتاة الضوء، ص153-154

37: عجمي، وهيب، البركان، دار العلوم العربية لبنان،  ط1، 1991، ص 104

38: م.ن. ص115

39: عجمي، وهيب: البركان، ص87

40: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص24

41: م.ن. ص25

42: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي. ص21-22

43: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص29

43: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص30

45: م. ن. ص30

46: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص31

47: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص65-66

48: م. ن. ص68-69

49: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص11

50: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص15

1: النجار، عبدالله: الانتماء في ظل التشريع الإسلامي، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة، لاط، 1411ه، ص14.

2: آل مبارك، عبدلله بن ناجي (الخميس 18 ذي العقدة 1427ه). قراءة في مفهوم الانتماء الوطني، في صحيفة الرياض، الرياض، مؤسسة اليمامة الصّحفية، ص 23

3: بريموراتز، إيغور: الوطنيّة، موسوعة ستانفورد للفلسفة، ترجمة هويدا الشوفي، مجلة حكمة،

31-10-2019.

4: الدروع، قاسم: نحو تربية وطنية هادفة، المطابع العسكرية، عمان، طبعة 1999، ص 25.4:

5: الفيصل، سمر روحي: نقاد الرواية في سورية: الدكتور حسام الخطيب،مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق،ع121، أيار1981،ص58

6: إمبرت، إنريك أندرسون: مناهج النقد الأدبي، ترجمة الطاهر أحمد مكي، مكتبة الآداب القاهرة، مصر، دط، 1991، ص220

7: اليسوعي: كامبل روبرت: أعلام الأدب المعاصر، سير وسير ذاتية، الشركة المتحدة للتوزيع، ط1، 1996، مج1، ص 517.

8: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، دار البنان، ط1، 2011، ص6..8:

9: م.ن. ص9..

10:عجمي، وهيب : أعيدوني إلى أمي، ص10.10:

11: بدوي، أحمد زكي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1982م، ص137.

12: عجمي، وهيب : م.س.، ص7 12

13: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص 8

14: م. ن. ص9 14

15:عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص14

16: م. ن. ص15

عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص 8.17:

18: عجمي، وهيب: بحر اللهب، دار البنان، ط1، 2011، ص 7-13

19:عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص14

: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص106 20

21: م.ن. ص107

22: عجمي، وهيب : أعيدوني إلى أمي، ص107

23: م.ن. ص107-108

24:ناصر، إبراهيم: التربية الوطنية- المواطنة، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، ط1، 1993م،ص 23

25: عجمي، وهيب: الأرض روحي، دار البنان، لبنان، ط1، 2013، ص 7-8

26: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص7

27: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص 18-19

 

28:أبو فودة، محمد عطية: دور الإعلام التربوي في تدعيم الانتماء الوطني لدى الطلبة الجامعيين في محافظات غزة، ص 32، نقلاً عن السجل العلمي لمؤتمر واجب الجامعات السعودية في حماية الشباب، للباحث بدر علي عبدالقادر. مج 5، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص 1563

29: عجمي، وهيب: قانا وتوبة السكين، منشورات شركة دار الجنوب للطباعة والتجليد، ط1، 1998، ص 87

30: خضر، لطيفة إبراهيم: دور التعليم في تعزيز الانتماء، عالم الكتب، بيروت، ط1، 2000، ص 14

31:عجمي، وهيب: قانا و توبة السكين، ص88

32: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص24-27

33: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص30

34: عجمي، وهيب: فتاة الضوء، دار البنان لبنان، ط1، 2002،ص28

35: عجمي، وهيب: فتاة الضوء، ص129

36: عجمي، وهيب: فتاة الضوء، ص153-154

37: عجمي، وهيب، البركان، دار العلوم العربية لبنان،  ط1، 1991، ص 104

38: م.ن. ص115

39: عجمي، وهيب: البركان، ص87

40: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص24

41: م.ن. ص25

42: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي. ص21-22

43: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص29

43: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص30

45: م. ن. ص30

46: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص31

47: عجمي، وهيب: بحر اللهب، ص65-66

48: م. ن. ص68-69

49: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص11

50: عجمي، وهيب: أعيدوني إلى أمي، ص15

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى